د. سارة الخريشا - Header

تعديل السلوك وحماية الأطفال من الجريمة: مسؤولية مجتمعية

د. عمار النوايسة – 9/03/2025

يُولد الأطفال بفطرة سليمة، لكن البيئة المحيطة بهم هي التي تشكل سلوكهم وتوجههم نحو الخير أو الشر. وفي ظل التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة، أصبح تعديل السلوك مسألة ضرورية لحماية الأطفال من الوقوع في مسارات خاطئة قد تؤدي بهم إلى الانحراف والجريمة. فالأسرة، والمدرسة، والمجتمع مسؤولون عن توجيه الطفل، وتعليمه القيم الأخلاقية، وتوفير بيئة تربوية آمنة تساعده على اتخاذ قرارات سليمة وبعيدة عن السلوكيات السلبية.

أهمية تعديل السلوك عند الأطفال:

يعد تعديل السلوك وسيلة فعالة في تشكيل شخصية الطفل بطريقة إيجابية، حيث يساعده على بناء ثقة بنفسه، وتطوير مهاراته الاجتماعية، ويعلمه كيفية التفاعل مع الآخرين بشكل سليم. كما يساهم في تعزيز السلوكيات الإيجابية، مثل احترام القوانين، والتعاون، والانضباط الذاتي، مما يجعله أقل عرضة للانحراف أو الوقوع في الجريمة.

إضافة إلى ذلك، فإن التوجيه المبكر للأطفال يقيهم من المشكلات السلوكية التي قد تتفاقم مع مرور الوقت، مثل العنف، أو الكذب، أو السرقة، والتي قد تؤدي في النهاية إلى ارتكاب أفعال مخالفة للقانون. ومن هنا تأتي أهمية التربية الوقائية، التي لا تقتصر على العقاب عند الخطأ، بل تعتمد على غرس القيم الأخلاقية منذ الصغر.

أسباب انحراف الأطفال ووقوعهم في الجريمة:

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى انحراف الطفل، ولعل أبرزها التنشئة الأسرية الخاطئة. فالإهمال، أو القسوة المفرطة، أو التدليل الزائد، قد تدفع الطفل إلى البحث عن مصادر أخرى للشعور بالأمان والانتماء، مما يجعله عرضة للتأثر بالمحيط الخارجي بشكل سلبي. كما أن وجود رفقاء سوء يمكن أن يكون عاملاً أساسيًا في دفع الطفل إلى تبني سلوكيات غير أخلاقية أو مخالفة للقانون.

ولا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية، التي قد تزرع في ذهن الطفل أفكارًا وسلوكيات عدوانية، إذا لم تكن هناك رقابة وتوجيه من قبل الأهل. ومن جانب آخر، فإن ضعف التوجيه المدرسي أو غياب القدوة الصالحة يجعل الطفل أكثر عرضة للانحراف، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتسم بالحساسية والتغيرات النفسية والاجتماعية.

استراتيجيات تعديل السلوك لحماية الأطفال من الجريمة:

لحماية الأطفال من الانحراف، يجب التركيز على التربية السليمة التي تبدأ من القدوة الحسنة داخل الأسرة. فالطفل يتعلم من سلوك والديه أكثر مما يتعلم من التوجيهات المباشرة، لذا من الضروري أن يكون الأهل مثالًا يُحتذى به في الأخلاق والقيم.

كما أن تعزيز القيم الدينية والأخلاقية يلعب دورًا رئيسيًا في توجيه سلوك الطفل، من خلال تعليمه التمييز بين الخطأ والصواب، وزرع مبادئ الأمانة والصدق والاحترام في شخصيته منذ الصغر. ولا يقل دور المدرسة أهمية عن دور الأسرة، فهي بيئة مكملة يجب أن توفر برامج توجيهية تعزز السلوك الإيجابي وتساعد الأطفال على تجاوز المشكلات السلوكية بطريقة سليمة.

إضافة إلى ذلك، فإن مراقبة سلوك الطفل وتوجيهه بأسلوب متوازن بين الحزم واللين يجعله أكثر استجابة للنصائح، وأقل عرضة للتمرد أو الانحراف. ومن المهم تشجيعه على ممارسة الأنشطة الإيجابية مثل الرياضة والفنون والمشاركة في الأعمال التطوعية، التي تبعده عن أصدقاء السوء وتوفر له بيئة آمنة للتطور والنمو.

وأخيرا وليس آخرا إن حماية الأطفال من ارتكاب الجريمة ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية الأسرة، والمدرسة، والمجتمع ككل. فالتربية الصحيحة، والتوجيه السليم، وتعزيز القيم الإيجابية، كلها عوامل تسهم في بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة التحديات دون الانحراف نحو السلوكيات الخاطئة. ومن خلال تعديل السلوك منذ الصغر، يمكننا ضمان مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للأطفال والمجتمع بأسره.